ثقافة الهدم داخل مجتمعاتنا .. الجزء الأول

في 1 التعليقات
بقلم : خالد الوليد

يعرف على المجتمعات المتخلفة القابعة أسفل سلالم النمو انتشار مجموعة من المظاهر التي تميز هذه المجتمعات على نضيراتها المتقدمة، وتجعل منها فعلا مجتمعات متخلفة على كافة المستويات.


بصفتى مواطنا ريفيا وقاطنا بمدينة الناظور المغربية ، وبحكم علاقاتي الإجتماعية بعدد كبير من الأشخاص من مختلف الفئات العمرية ومن كلا الجنسين، وكذا بمختلف تلاوين المكانات الإجتماعية، تولدت لدي موهبة  القدرة على دراسة "الجماعات"و الملاحظة والإنصات وتحليل شخصيات الناس داخل المجتمعات أو بشبكات التواصل الإجتماعي الإلكترونية، حتى تكون لدي رصيد لابأس به من التجارب والخبرات في معرفة الأشخاص.


من أكثر ما أثار انتباهي خلال دراستي لعينة كبيرة من الأشخاص هو انتشار ظاهرة "ثقافة الهدم" التي صنفتها كواحدة من أخبث صفات المجتمعات المتخلفة، ليس لقدرتها الكبيرة على هدم حياة الفرد فقط، بل لقدرتها كذلك على  هدم الأفراد الآخرين المحيطين به داخل جماعة بشرية.


وارتأيت أن أشارك قرائي الأعزاء هذا الموضوع المهم على شكل أجزاء لتعميم الفائدة..عندما "يكتسب" الشخص، وهنا أركز على الإكتساب بدل الفطرية بحكم المجتمع المتواجد به، لصفة ثقافة الهدم، يتولد لديه القدرة على تدمير وهدم أفكار وأحلام الآخرين ونشر الطاقة السلبية، فتراه يسارع دائما إلى غرس شيمة التشاؤم لدى الآخرين والتقليل من أحلامهم وعدم قدرتهم على تحقيقها نضرا لمبررات خبيثة يخلقها هو، حتى يكون لدى محيطه غيوما سوداء من التشاؤم تمطر سيولا من الفشل يجرف الجميع.لهذا السبب أكثر من نصح الأصدقاء والمقربين بالعمل على تجنب الأشخاص السلبيين وعدم مصادقتهم والبحث بدل ذلك على محيط إيجابي يشجع المرء على النجاح وتحقيق المستحيل.


ذات مرة وخلال تواجدي بإحدى الدورات التدريبية بمدينة الدار البيضاء المغربية، شاءت الصدف أن أتجاذب أطراف الحديث مع صديق لي حول وكالات إنعاش الشغل المكلفة بتوفير فرص الشغل للشباب العاطل عن العمل بالمغرب، فاستغربت من كمية الطاقة الهائلة من ثقافة الهدم لديه والقوة السلبية الكبيرة المنبعثة منه، فبدأ يسرد المبررات لنفسه حول البقاء عاطلا عن العمل وبكون الدولة لم توفر له العمل وبكون جميع مبارات التوظيف في الشركات ومؤسسات الدولة تعتريها الشبهات ولا يستخدم فيها إلا بن فلان وفلان، فاستوقفته متسائلا: هل تقدمت يوما إلى أي مباراة توظيف؟ وكانت دهشتي كبيرة عندما أجابني بالنفي وبأنه لم يكبد نفسه حتى عناء البحث رغم توفره على المقوات ـحسب حديثه ـ فاستفسرته كيف له أن يعرف أنه لا شغل في البلاد وهو لم يبحث حتى، فبقي ساكتا دونما إجابة، وأخبرته أن الدولة مسؤولة عن مواطنيها، وحتى وإن فشلت في الأمر فشلا ذريعا، إلا أنه على المرء أن يغتنم أي فرصة كيفا كانت صغيرة ويحولها إلى أمر عظيم، والشخص الناجح هو من يعرف هدفه في الحياة ويغتنم أي طريق متوفرة توصله إلى تحقيقه أهدافه..وبعد مرور قرابة شهرين من تاريخ هذه الدردشة تفاجأت بخبر صديقي وقد عين وكيلا تجاريا بإحدى الأبناك المغربية الكبرى.


إن سلسلة الإخفاقات التي يصطدم بها المرء خلال رحلة حياته تجعله يكتسب ثقافة هدم ونضرة تشاؤم إلى الأمور تؤثر فيه وفي من حوله، حتى يكون حول نفسه هالة كبيرة من القوة السلبية التي يكتسبها ويكسبها بدوره إلى الآخرين، دون أن يكبد نفسه حتى عناء التفكير في الأمور قبل أن تحدث، وهنا استحضر موقفين من المواقف التي صادفتني، أولهما أن الشخص يحكم على موضوع بالفشل قبل أن يحدث، كأن يقول لك "لاداعي أن تكبد نفسك عناء البحث عن العمل لأنك لن تجده وستبقى عاطلا إلى الأبد"، والثاني يحكم على الأمر الجيدة بالفشل والسلبية حتى بعد حدوثها، كأن يقول لك "لاتفرح كثيرا باشتغالك فالأجر لن يكفيك ولن تذهب بعيدا بهذا العمل" ويبدأ في تعداد السلبيات عوض التشجيع.. وغيرهما من الأمثلة التي سأستحضرها في الموضوع القادم.


لقد تحول المجتمع إلى محيط كبير من القوة السلبية الناتجة عن ثقافة الهدم، حتى صار الأفراد داخل هذا المجتمع يتنافسون حول هدم بعضهم البعض دون أيما مكسب لهم، حتى يتحول هدفهم في الحياة إلى أن لا ينجح غيرهم ما داموا هم لم يوفقوا في النجاح، لينتشر الفشل بين صفوف الأفراد كما المجتمعات في الأوساط المتخلفة، وهنا الإختلاف بيننا وبين الغرب، فنحن نحكم على المرء بالفشل حتى قبل أن يحاول فيما الغرب يشجعون الفاشل حتى ينجح..


تتمة الموضوع في مقالة قادمة..
العنوان: ثقافة الهدم داخل مجتمعاتنا .. الجزء الأول
تصنيف: 10 من أصل 10 مرتكز على 24 تقييمات. 5 مشاركات الزوار.
الكاتب Mighis Elwalid

1 التعليقات:

إكتب تعليقك هنا .. Write your comment here